فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال: {ولكُلٍّ درجات مّمَّا عَمِلُواْ}.
وفيه قولان الأول: أن الله تعالى ذكر الولد البار. ثم أردفه بذكر الولد العاق. فقوله: {ولكُلٍّ درجات مّمَّا عَمِلُواْ} خاص بالمؤمنين. وذلك لأن المؤمن البار بوالديه له درجات متفاوتة. ومراتب مختلفة في هذا الباب والقول الثاني: أن قوله: {لِكُلٍّ درجات مّمَّا عَمِلُواْ} عائد إلى الفريقين. والمعنى و لكل واحد من الفريقين درجات في الآيمان والكفر والطاعة والمعصية. فإن قالوا كيف يجوز ذكر لفظ الدرجات في أهل النار. وقد جاء في الأثر الجنة الدرجات. والنار دركات؟ قلنا فيه وجوه الأول: يجوز أن يقال ذلك على جهة التغليب الثاني: قال ابن زيد: درج أهل الجنة يذهب علوًا. ودرج أهل النار ينزلوا هبوطًا.
الثالث: أن المراد بالدرجات المراتب المتزايدة. إلا أن زيادات أهل الجنة في الخيرات والطاعات. وزيادات أهل النار في المعاصي والسيئات.
ثم قال تعالى: {وليُوَفِّيَهُمْ} وقرئ بالنون وهذا تعليل معلله محذوف لدلالة الكلام عليه كأنه وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم. قدر جزاءهم على مقادير أعمالهم فجعل الثواب درجات والعقاب دركات. ولما بيّن الله تعالى أنه يوصل حق كل أحد إليه بين أحوال أهل العقاب أولا. فقال: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} قيل يدخلون النار. وقيل تعرض عليهم النار ليروا أهوالها {أَذْهَبْتُمْ طيباتكم في حياتكم الدنيا} قرأ ابن كثير {أَذْهَبْتُمْ} استفهام بهمزة ومدة. وابن عامر استفهام بهمزتين بلا مدة والباقون {أَذْهَبْتُمْ} بلفظ الخبر والمعنى أن كل ما قدر لكم من الطيبات والراحات فقد استوفيتموه في الدنيا وأخذتموه. فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شيء منها. وعن عمر لو شئت لكنت أطيبكم طعامًا وأحسنكم لباسًا. ولكني أستبقي طيباتي. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل على أهل الصفة وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ما يجدون لها رقاعًا فقال: «أنتم اليوم خير أم يوم يغدوأحدكم في حلة ويروح في أخرى. ويغدى عليه بجفنة ويراح عليه بأخرى ويستر بيته كما تستر الكعبة. قالوا نحن يومئذ خير قال بل أنتم اليوم خير؟». رواه صاحب (الكشاف) قال الواحدي: إن الصالحين يؤثرون التقشف والزهد في الدنيا رجاء أن يكون ثوابهم في الآخرة أكمل. إلا أن هذه الآية لا تدل على المنع من التنعم. لأن هذه الآية وردت في حق الكافر. وإنما وبخ الله الكافر لأنه يتمتع بالدنيا ولم يؤد شكر المنعم بطاعته والآيمان به. وأما المؤمن فإنه يؤدي بإيمانه شكر المنعم فلا يوبخ بتمتعه. والدليل عليه قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطيبات مِنَ الرزق} [الأعراف: 32] نعم لا ينكر أن الاحتراز عن التنعم أولى. لأن النفس إذا اعتادت التنعم صعب عليها الاحتراز والأنقباض. وحينئذ فربما حمله الميل إلى تلك الطيبات على فعل ما لا ينبغي. وذلك مما يجر بعضه إلى بعض ويقع في البعد عن الله تعالى بسببه.
ثم قال تعالى: {فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون} أي الهوان. وقرئ {عذاب الهوان} {بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ في الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} فعلل تعالى ذلك العذاب بأمرين: أولهما: الاستكبار والترفع وهو ذنب القلب الثاني: الفسق وهو ذنب الجوارح. وقدم الأول على الثاني لأن أحوال القلوب أعظم وقعًا من أعمال الجوارح. ويمكن أن يكون المراد من الاستكبار أنهم يتكبرون عن قبو ل الدين الحق. ويستنكفون عن الآيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام. وأما الفسق فهو المعاصي واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع. قالوا لأنه تعالى علل عذابهم بأمرين: أولهما: الكفر وثانيهما: الفسق. وهذا الفسق لابد وأن يكون مغايرًا لذلك الكفر. لأن العطف يوجب المغايرة. فثبت أن فسق الكفار يوجب العقاب في حقهم. ولا معنى للفسق إلا ترك المأمورات وفعل المنهيات. والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {ولكل درجات}.
يعني المحسنين والمسيئين. قال ابن زيد: ودرجات المحسنين تذهب علوًا. ودرجات المسيئين تذهب سفلًا.
وقرأ أبو عبد الرحمن: {ولتوفيهم} بالتاء من فوق. أي الدرجات. وقرأ جمهور الناس: {وليوفيهم} بالياء. وقرأ نافع بخلاف عنه. وأبو جعفر وشيبة والأعرج وطلحة والأعمش: {ولنوفيهم} بالنون: قال اللؤلؤي في حرف أبي بن كعب وابن مسعود: {ولنوفينّهم} بنون أولى ونون ثانية مشددة. وكل امرئ يجني ثمرة عمله من خير أوشر ولا يظلم في مجازاته. بل يوضع كل أمر موضعه من ثواب أو عقاب.
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}.
المعنى: واذكر يوم يعرض. وهذا العرض هو بالمباشرة. كما تقول عرضت العود على النار والجاني على السوط. والمعنى: يقال لهم {أذهبتم طيباتكم}.
وقرأ جمهور القراء: {أذهبتم} على الخبر. حسنت الفاء بعد ذلك. وقرأ ابن كثير والحسن والأعرج وأبو جعفر ومجاهد وابن وثاب. {اذهبتم} بهمزة مطولة على التوبيخ والتقرير الذي هو في لفظ الاستفهام. وقرأ ابن عامر {أأذهبتم} بهمزتين تقريرًا.
والتقرير والتوبيخ إخبار بالمعنى. و لذلك حسنت الفاء وإلا فهي لا تحسن في جواب على حد هذه مع الاستفهام المحض.
والطيبات: الملاذ. وهذه الآية وإن كانت في الكفار فهي رادعة لأولي النهى من المؤمنين عن الشهوات واستعمال الطيبات. ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه: أتظنون أنا لا نعرف طيب الطعام. ذلك لباب البر بصغار المعزى. ولكني رأيت الله تعالى نعى على قوم أنهم أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا. ذكر هذا في كلامه مع الربيع بن زياد. وقال أيضًا نحوهذا لخالد بن الوليد حين دخل الشام فقدم إليه طعام طيب. فقال عمر: هذا لنا. فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير؟ فقال خالد: لهم الجنة. فبكى عمر وقال: لئن كان حظنا في الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونًا بعيدًا. وقال جابر بن عبد الله: اشتريت لحمًا بدرهم فراني عمر. فقال: أوكلما اشتهى أحدكم شيئًا اشتراه فأكله؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية. وتلا: {أذهبتم} الآية.
و{عذاب الهون}: العذاب الذي اقترن به هو ان. وهذا هو عذاب العصاة المواقعين ما قد نهوا عنه. وهذا بين في عذاب الدنيا. فعذاب المحدود في معصية كالحرابة ونحوها مقترن بهون. وعذاب المقتو ل في حرب لا هو ن معه. فالهون والهوان بمعنى؟!. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ولكُلٍّ دَرَجَاتٌ}.
أي و لكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين من الجنّ والإنس مراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم.
قال ابن زيد: درجات أهل النار في هذه الآية تذهب سِفالًا. ودرج أهل الجنة عُلُوًّا.
{وليُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} قرأ ابن كثير وابن مُحَيْصن وعاصم وأبو عمرو ويعقوب بالياء لذكر الله قبله. وهو قوله تعالى: {إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} [يونس: 55] واختاره أبو حاتم.
الباقون بالنون ردًّا على قوله تعالى: {ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ} [العنكبوت: 8] وهو اختيار أبي عبيد.
{وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} أي لا يزاد على مسيء ولا ينقص من محسن.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ} أي ذكّرهم يا محمد يوم يعرض.
{الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} أي يكشف الغطاء فيقرّبون من النار وينظرون إليها.
{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} أي يقال لهم أذهبتم؛ فالقول مضمر.
وقرأ الحسن ونصر وأبو العالية ويعقوب وابن كثير {أَأَذْهَبْتُمْ} بهمزتين مخففتين. واختاره أبو حاتم.
وقرأ أبو حيوة وهشام {اذهبتم} بهمزة واحدة مطولة على الاْستفهام.
الباقون بهمزة واحدة من غير مدّ على الخبر. وكلها لغات فصيحة ومعناها التوبيخ. والعرب توبخ بالاْستفهام وبغير الاْستفهام؛ وقد تقدّم.
واختار أبو عبيد ترك الاْستفهام لأنه قراءة أكثر أئمة السبعة نافع وعاصم وأبي عمرو وحمزة والسكائي. مع من وافقهم شيبة والزهري وابن مُحَيْصن والمغيرة بن أبي شهاب ويحيى بن الحارث والأعمش ويحيى بن وثّاب وغيرهم؛ فهذه عليها جِلّة الناس.
وترك الاْستفهام أحسن؛ لأن إثباته يوهم أنهم لم يفعلوا ذلك. كما تقول: أنا ظلمتك؟ تريد أنا لم أظلمك.
وإثباته حسن أيضًا؛ يقول القائل: ذهبت فعلت كذا؛ يُوَبّخ ويقول: أذهبت فعلت! كل ذلك جائز.
ومعنى {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} أي تمتَّعتم بالطيبات في الدنيا واتبعتم الشهوات واللذات؛ يعني المعاصي.
{فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون} أي عذاب الخزي والفضيحة.
قال مجاهد: الهون الهوان.
قتادة: بلغة قريش.
{بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} أي تستعلون على أهلها بغير استحقاق.
{وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} في أفعالكم بَغْيًا وظلمًا.
وقيل: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} أي أفنيتم شبابكم في الكفر والمعاصي.
قال ابن بحر: الطيبات الشباب والقوّة؛ مأخوذ من قولهم: ذهب أطيباه؛ أي شبابه وقوّته.
قال الماورديّ: و وجدت الضحاك قاله أيضًا.
قلت: القول الأول أظهر. روى الحسن عن الأحنف بن قيس أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لأنا أعلم بخفض العيش. ولو شئت لجعلت أكبادًا وصلاء وصِنابًا وصَلائِقَ. ولكني أستبقي حسناتي؛ فإن الله عز وجل وصف أقوامًا فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا واستمتعتم بِهَا} وقال أبو عبيد في حديث عمر: لو شئت لدعوت بصلائق وصناب وكَرَاكِرَ وأسنمة.
وفي بعض الحديث: وأفلاذٍ.
قال أبو عمرو وغيره: الصلاء (بالمدّ والكسر): الشواء؛ سُمِّي بذلك لأنه يُصْلَى بالنار.
والصِّلاء أيضًا: صلاء النار؛ فإن فتحت الصاد قصرت وقلت: صَلَى النارِ.
والصِّناب: الأصبغة المتخذة من الخردل والزبيب.
قال أبو عمرو: و لهذا قيل للبِرذَوْن: صِنابِيّ؛ وإنما شُبِّه لونه بذلك.
قال: والسلائق (بالسين) وهو ما يسلق من البقول وغيرها.
وقال غيره: هي الصلائق بالصاد؛ قال جرير:
تُكَلِّفنِي معيشةَ الِ زيدٍ ** ومَن لي بالصّلائق والصِّناب

والصلائق: الخبز الرقاق العريض.
وقد مضى هذا المعنى في (الأعراف).
وأما الكراكر فكراكر الإبل. واحدتها كِركِرة وهي معروفة؛ هذا قول أبي عبيد.
وفي الصحاح: والكِرْكِرة رَحَى زَوْر البعير. وهي إحدى النفثات الخمس.
والكِركِرة أيضًا الجماعة من الناس.
وأبو مالك عمرو بن كِرْكِرة رجل من علماء اللغة.
قال أبو عبيد: وأما الأفلاذ فإن واحدها فِلذ. وهي القطعة من الكَبِد.
قال أعشَىْ باهلة:
تَكْفِيهِ حُزَّةُ فِلْذٍ إن ألَمّ بها ** من الشِّواء ويُرْوِي شُرْبَه الغُمَرُ

وقال قتادة: ذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال: لو شئت كنت أطيبكم طعامًا. وألينكم لباسًا. ولكني أستبقي طيباتي للاخرة.
ولما قدم عمر الشام صنع له طعام لم ير قط مثله قال: هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وما شبعوا من خبز الشعير! فقال خالد بن الوليد: لهم الجنة؛ فَاغْرَوْرَقت عَيْنَا عمرَ بالدموع وقال: لئن كان حظنا من الدنيا هذا الحطام. وذهبوا هم في حظهم بالجنة فلقد باينونا بَوْنًا بعيدًا.
وفي صحيح مسلم وغيره: «أن عمر رضي الله عنه دخل على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في مَشْرُبته حين هجر نساءه قال: فالتفت فلم أرَ شيئًا يردّ البصر إلا أهبًا جلودًا معطونة قد سطع ريحها؛ فقلت: يا رسول الله. أنت رسول الله وخِيرته. وهذا كِسْرى وقَيْصر في الديباج والحرير؟ قال: فاستوى جالسًا وقال: أفِي شَكٍّ أنت يا بن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا فقلت: استغفر لي! فقال: اللهم اغفر له» وقال حفص بن أبي العاص: كنت أتغدّى عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخبز والزيت. والخبز والخل. والخبز واللبن. والخبز والقَدِيد. وأقلّ ذلك اللحم الغَريض.
وكان يقول: لا تنخلوا الدقيق فإنه طعام كلّه؛ فجيء بخبز متفلع غليظ؛ فجعل يأكل ويقول: كلوا؛ فجعلنا لا نأكل؛ فقال: ما لكم لا تأكلون؟ فقلنا: والله يا أمير المؤمنين نرجع إلى طعام ألين من طعامك هذا؛ فقال: يا بن أبي العاص أما ترى بأني عالم أن لوأمرتُ بعَناق سمينة فيلقى عنها شعرها ثم تُخرج مَصْلِيّة كأنها كذا وكذا. أمَا ترى بأني عالم أن لوأمرت بصاع أوصاعين من زبيب فأجعله في سقاء ثم أشنّ عليه من الماء فيصبح كأنه دم غزال؛ فقلت: يا أمير المؤمنين. أجل! ما تنعت العيش؛ قال: أجل! والله الذي لا إله إلا هو لولا أني أخاف أن تنقص حسناتي يوم القيامة لشاركناكم في العيش! ولكني سمعت الله تعالى يقول لأقوام: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا واستمتعتم بِهَا}.
{فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون} أي الهوان.
{بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} أي تتعظمون عن طاعة الله وعلى عباد الله.
{وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} تخرجون عن طاعة الله.
وقال جابر: اشتهى أهلي لحمًا فاشتريته لهم فمررت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ما هذا يا جابر؟ فأخبرته؛ فقال: أوكلما اشتهى أحدكم شيئًا جعله في بطنها أما يخشى أن يكون من أهل هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} الآية.
قال ابن العربي: وهذا عتاب منه له على التوسع بابتياع اللحم والخروج عن جِلْف الخبز والماء؛ فإن تعاطي الطيبات من الحلال تستشره لها الطباع وتستمرئها العادة فإذا فقدتها استسهلت في تحصيلها بالشبهات حتى تقع في الحرام المحض بغلبة العادة واستشراه الهوى على النفس الأمارة بالسوء؛ فأخذ عمر الأمر من أوله وحماه من ابتدائه كما يفعله مثله.
والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه: على المرء أن يأكل ما وجد. طيبًا كان أوقَفارًا. ولا يتكلف الطيّب ويتخذه عادة؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشبع إذا وجد. ويصبِر إذا عدِم. ويأكل الحلوى إذا قدر عليها. ويشرب العسل إذا اتفق له. ويأكل اللحم إذا تيسر؛ ولا يعتمد أصلًا. ولا يجعله دَيْدَنًا.
ومعيشة النبيّ صلى الله عليه وسلم معلومة. وطريقة الصحابة منقولة؛ فأما اليوم عند استيلاء الحرام وفساد الحطام فالخلاص عسير. والله يَهَب الإخلاص. ويُعين على الخلاص برحمته.